الدرس في وقفات عقدية مع إسراء ومعراج خير البرية صلى الله عليه وسلم، الثلاثاء 24 رجب 1431هـ . ألقاها الشيخ أبو همام عبد الله باسعد
( وقفات عقدية مع إسراء ومعراج خير البرية صلى الله عليه وسلم )
بسم الله, والحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فهذه وقفات عقدية مع إسراء ومعراج خير البرية صلى الله عليه وسلم.
الوقفة الأولى: مع قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} فيه بيان عبودية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه عبدالله ورسول الله وصفه الله بهذا الوصف في أعظم المقامات ومنها هذا المقام العظيم الذي خصه به جل وعلا من بين سائر الأنبياء والمرسلين,
وهذا يدل على عظيم هذا الوصف الذي شرفه الله به, وهو أخص أوصاف العبودية حيث أضافه إليه إضافة تشريف. وفي هذا رد على الغلاة الذين غلوا فيه صلى الله عليه وسلم من عباد القبور وأهل الحلول والاتحاد وأمثال البصيري القائل:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سـواك عند حلـول الحـادث العمـم
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي فضلاً وإلا فقـل يا زلــة القــدم
فإن مـن جـودك الـدنيا وضرتـها وإن من علومك علم اللوح والقلم
لو ناسـبت آياتـه قـدره عظـماً أحيا اسمه حين يدعى دارس الرّمم
أي أن آيات القرآن لا تناسب قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما الذي يناسبه بزعمه أنه إذا ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم على ميّت اندرس في التراب وصار رميماً حيَّ ذلك الميّت لأجل ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولم يُعطى ذلك. إذن ما أُعطِي شيء يناسب قدره.
فبالله عليكم هل هذه الأوصاف تليق بعبد أُسرِي به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؟!
أم هذه أوصاف لمن أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؟
الوقفة الثانية: مع ذكر قوله تعالى: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}
ففيه إثبات أن البركة من الله جل وعلا. فهو الذي يبارك لأنه هو الذي بيده الملك.
ولأنه هو الذي نزل الفرقان ولأنه هو الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً.
والبركة هي حصول الخير الإلهي في الشيء وملازمته وثبوته فلا يملك البركة إلا الله. لا الأنبياء ولا الأولياء ولا الملائكة ولا الصالحون يملكون بركة أو يباركون أحداً.
فأين من يطلب البركة من الأولياء والأموات الصالحين وأصحاب القباب المشاهد والأضرحة من هذه النصوص القرآنية والنصوص النبوية مثل قوله صلى الله عليه وسلم (حي على الطهور المبارك والبركة من الله) قاله حين نبع الماء من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام يغرس ويؤكد هذه العقيدة الباركة.
الوقفة الثالثة: مع قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}
فيه بيان إثبات اسمين من أسماء الله تعالى وهما (السميع البصير) وإثبات صفتين وهما (السمع والبصر) وأهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من أسماء وصفات من غير تمثيل وينفون عن الله ما نفاه الله عن نفسه ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل فإثباتهم إثبات بلا تمثيل وتنزيههم بلا تعطيل. على ما جاء في محكم التنزيل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
فالأسماء والصفات معلومة المعنى من لغة العرب التي خاطبنا الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما الكيفيات فهي غير معلومة لنا, لأن ذلك مما استأثر الله بعلمه لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل والإيمان بخبر الله ورسوله واجب. والسؤال عن كيفية الصفات بدعة. وهذه قاعدة السلف في هذا الباب.
قال الإمام مالك رحمه الله إمام دار الهجرة لما سئل عن كيفية الاستواء؟ وقد أطرق رأسه وعلاه الرحضاء لشدة وقع السؤال عليه لأنه سؤال مبتدع: (الاستواء معلوم –أي معلوم المعنى-) (والكيف غير معقول-وفي لفظ مجهول-) (والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ...).
فأين أهل التعطيل من جهمية ومعتزلة وأشاعرة وغيرهم من نصوص القرآن والسنة ومنهج السلف الصالح وقواعدهم.
الوقفة الرابعة: مع من أكرم الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من العروج به إلى السموات العلى, وما رأى من آيات ربه الكبرى ومن أعظمها تكليمه لربه جل وعلا ورؤية حجابه جل وعلا الذي لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وفي هذا بيان علوّه جل وعلا. وأنه في السماء أي في العلو فوق مخلوقاته كلها التي أعلاها العرش الذي استوى عليه جل وعلا استواءً يليق بجلاله وكماله, {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} .
الاستواء معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
وهذا من أعظم وأقوى أدلة علوه جل وعلا على خلقه حيث أُعرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء فهو جل وعلا في العلو وله العلو المطلق من كل الوجوه علوّ الذات وعلو القدر وعلو القهر. إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه, وإليه تحشر الخلائق, ورفع عيسى إليه وما من أحدٍ يدعو إلا وهو يتطلع إلى العلو ضرورة وفطرة إلى غير ذلك من الأدلة الشرعية والبراهين القطعية الدالة على علوّه سبحانه وتعالى الذي تنزه عن كل نقص وعيب (سبحان ربي الأعلى ) .
فأين دعاة وحدة الوجود والاتحاد والحلول وغيرهم القائلون بأن الله في كل مكان أو بأن الله ليس في مكان أو ليس داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال.
يا ليت شعري فمن إذن يعبدون لقد ضيّعوا معبودهم فصاروا يعبدون عدماً كما أن الممثّل يعبد صنماً.
أين هؤلاء من هذه النصوص القرآنية والنصوص النبوية والآثار السلفية والبراهين العقلية فضلاً عن الفطرة الحنيفية . إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك.
الوقفة الخامسة:
مع ذكر أعظم ثمرة يثمرها الإيمان بهذا الحدث العظيم وهي محبة هذا النبي الكريم صاحب هذا الحدث العظيم وصاحب المقام المحمود والحوض المورود صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
محبة شرعية لا غلو فيها ولا تفريط (عبدالله ورسوله) عبدٌ فلا يُعبد ورسول فلا يُكذب, محبة مقبولة توفّر شرطها إتباع لا ابتداع {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
تعصي الإله وتزعـم حبـه ذاك لعمري في القياس شنيعُ
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحـب لمن يحـبُّ مطيعُ
محبةً فيها المتابعة للصحابة والتابعين لهم بإحسان {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.
{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}
وقال صلى الله عليه وسلم: (... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ...) الحديث.
(... كلها في النار إلا واحدة ...) قالوا من هي يا رسول الله؟ قال الجماعة ..) الحديث.
فكيف يدعّي المدّعون محبته صلى الله عليه وسلم وقد ابتدعوا في دين الله عز وجل وشاقوا الله ورسوله وخالفوا سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين أقاموا الاحتفالات في ليلة السابع والعشرين من رجب ظناً وتخميناً وزعماً أنها هي ليلة الإسراء والمعراج {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} مع أنها لو تبينت ليلتها فالدين والشرع اتباع لا ابتداع والمحبة اتباع لا ابتداع.
أوردها سعدٌ وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل
لو كان خيراً لفعله صاحب الحدث نفسه صلى الله عليه وسلم ولفعله أعظم الناس محبة له صحابته رضي الله عنهم أجمعين. فأين هؤلاء من هذه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وأين هؤلاء من فهم سلف الأمة المحمدية رضي الله عنهم وجعلنا الله من السائرين على هديهم وأن يحشرنا في زمرتهم ورفقتهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن هؤلاء رفيقاً. وأن يهدي ضال المسلمين إلى الحق إنه خير مأمول وأكرم مسئول وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتبه :
أبو خالد وليد مقرم
بدار الحديث بالشحر
الثلاثاء 24 رجب 1431هـ