الدرس في كتاب الطهارة 25، ألقاها
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
ثم أما بعد:
مضى معنا في الدرس الماضي الكلام على بعض شروط التيمم والأسباب المبيحة له، وتوقفنا في الدرس الماضي عند الأمر الرابع، وهو التمييز، فلا يصح من غير المميز، وهو من كان دون السابعة. وتقدم معنا في الدرس الماضي أن العبرة بالتمييز لا بالسن، فإن عقل وميز، وهو دون السابعة، فهو مثلًا ابن ست سنين، فإنه يصح منه ذلك، والله أعلى وأعلم. ويدل على ذلك ما تقدم معنا وما جاء في صحيح البخاري من حديث عمر بن سليمة أنه كان يصلي بقومه وهو ابن ست أو سبع سنين، على الشك الخامس.
قالوا: تعذر استعمال الماء، أي من الأسباب المبيحة للتيمم، تعذر استعمال الماء، إما لعدمه، أي لعدم وجود الماء، لقوله تعالى: "فإن لم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدًا طيبًا." وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير." وتقدم معنا أن هذا الحديث حسن بمجموع قلوبه، والشاهد منه: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته."
قالوا: أو لخوفه الضرر باستعماله، إما لمرض يخشى زيادته أو تأخر شفائه باستعمال الماء، يعني إذا وجد الماء ولكنه لا يستطيع أو لا يقدر على استخدام ذلك الماء، إما لمرض، فإذا استعمل الماء اشتد ذلك المرض وحصل له به الضرر، وإما أن يتأخر شفاؤه. ومعنى هذا: إن حصل له ضرر إما عاجل، يعني إن خشي الضرر عاجلاً أو آجلاً، وتيقن ذلك أو غلب على ظنه ذلك، فله أن يستخدم التيمم إن وجد الماء ولكنه لا يستطيع استعماله لمرضه.
قالوا: لقوله تعالى: "وإن كنتم مرضى..." في الآية، في قول الله جل وعلا في أول الآية في التيمم قال ربنا جل وعلا: "وإن كنتم مرضى أو على سفر، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء، فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدًا طيبًا." الشاهد منه: "وإن كنتم مرضى"، فيدخل المريض في حكم التيمم إن لم يقدر أو يستطع على استخدام الماء.
قالوا: لحديث صاحب الشجة، الشجة الرجل الذي أصابته شجة. وهي قصته أنهم خرجوا في غزوة فرمي بحجر فشج رأسه، فسأل أصحابه هل له أن يتيمم؟ قالوا لا، يعني أصابته جنابة. فقال: هل له أن يتيمم؟ قالوا لا، عليك الغسل. فاغتسل، فمات. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "قتلوه، قتلهم الله. وهل شفاء العي إلا السؤال؟" قال: "هل لا سألوا؟" جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "قتلوه، قتلهم الله. هل لا سألوا إذا لم يعلموا؟ إنما شفاء العي هو السؤال." وجاء في بعض الرواية: "إنما يكفيه أن يضرب الأرض" أو "يضرب بالأرض على وجهه، يضرب بيديه الأرض فيمسح على وجهه ويديه." أو كما قال. الحديث قال: "أخرجه أبو داود وابن ماجه، وصححه الشيخ أحمد شاكر، وحسنه العلامة الألباني." الحديث مختلف في تصحيحه وتضعيفه، والأقرب والله أعلى وأعلم أنه لا يصح، وممن كان يضعف هذا الحديث شيخنا العلامة مقبل بن هادي الوادعي، رحم الله الجميع. ولكن الحكم ثابت، وهو أن من كان مريضًا، فخشي أن يزداد مرضه، أو أن يتأخر شفاؤه، فله أن يتيمم وإن كان واجدًا للماء.
قالوا: أو لشدة برد يخشى معه الضرر أو الهلاك باستعمال الماء. كذلك رجل سليم بصحة جيدة ولكنه في بلدة باردة، فأصابته الجنابة، فيخشى إن اغتسل أن يحصل له ضرر. هذا قد لا يتصور في الأماكن الحارة، لكن في الأماكن الباردة، ولا سيما في شدة البرد، يتصور مثل هذا. فهل له أن يتيمم أم لا؟ الجواب: له أن يتيمم، لكن ينبغي له أن يتحرى ذلك غاية التحري، بمعنى: إن كان يستطيع أن يسخن الماء ويستدفئ في مكان في غرفة ويغتسل، فهذا هو الواجب. فإن لم يكن يستطيع ذلك، إما لأنه مثلًا في صحراء، في سفر، أو في بلدة أو مكان لا يستطيع أن يسخن الماء، أو إن سخن الماء البرد شديد جدًا، ولا يستطيع معه أن يصبر على الماء مع شدة البرد، بل يتوقع توقعًا كبيرًا أن يحصل له الضرر والمرض، ففي هذه الحالة له أن ينتقل إلى التيمم. وإن استطاع الغسل مع شيء من الكلفة، فعل، وهذا هو الواجب. لكن عند الضرر، فله أن يأخذ بالرخصة. عند خشية الضرر، فله أن يأخذ بالرخصة. أما عند أو مع وجود المشقة، فيغتسل ويصلي.
مشقة كما سمعتم: يسخن الماء ويدفئ الغرفة وما شابه ذلك، فيغتسل، وهذا واجب عليه. فإن كان مع هذه الأحوال لا يستطيع، بل الضرر متحقق، أو يغلب على ظنه، لا عن وساوس، بل عن تحري، ففي هذه الحال له أن يتيمم.
قال لحديث عمرو بن العاص، أنه لما بُعث في غزوة ذات السلاسل، قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت وصليت بأصحابي صلاة الصبح. وذكروا أنهم أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقاله: "ما حملك على ذلك، يا عمرو؟" قال: "يا رسول الله، خشيت على نفسي الهلكة، والله جل وعلا يقول: 'ولا تقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيمًا.'" فجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم تبسم. وهذا الحديث مختلف كذلك في تصحيحه وتضعيفه، فذهب إلى تصحيحه بعض العلماء رحمهم الله تعالى، وبعض العلماء ذهبوا إلى تضعيف هذا الحديث، ومنهم من صحح الحديث دون لفظة التيمم، لأن الحديث جاء بألفاظ بأن في لفظ أنه تيمم، وفي لفظ أنه توضأ وغسل مغابينه، وفي لفظ أنه صلى بأصحابه ولم يغتسل. فصلى بأصحابه، لم يذكر لا تيمم ولا وضوء. الإمام أحمد رحمه الله تعالى يرجع في الحديث الإرسال، والإمام أحمد رحمه الله تعالى يرجع في الحديث الإرسال، والله تعالى أعلى وأعلم. لكن الحكم باقٍ، الحكم باقٍ.
والقاعدة في التيمم: أن التيمم يشرع إما لعدم وجود الماء، لعدم وجود الماء، وإما لعدم القدرة على استخدامه، إما لمرض، وإما لخشية المرض، إما لمرض فيزداد ذلك المرض، وإما لخشية المرض. فللإنسان أن يتيمم، ينتقل من الوضوء إلى التيمم على الصحيح من أقوال أهل العلم. وهذه الأمثلة المذكورة كلها فيها خلاف، لكن الصحيح ما سمعتموه، والله أعلى وأعلم.
السادس قالوا: أن يكون التيمم بتراب باليد إن وجده، لقوله تعالى: "فتيمموا صعيدًا طيبًا، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه." قال ابن عباس: "الصعيد تراب الحرث، والطيب الطاهر." طيب يعني صعيدا طيبًا الطيب الطاهر. يعني فتيمموا صعيدًا طيبًا أي صعيدًا طاهرًا، صعيدًا طاهرًا طيبًا. أثر ابن عباس رضي الله عنهما رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وكذلك ابن أبي حاتم في التفسير والبيهقي في السنة الكبرى من طرق عن قابوس بن أبي ضبيان عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما، لكن بلفظ "بلفظ طيبهم الصعيد حرث الأرض." وفي لفظ آخر أنه سئل أي صعيد أطيب، قال: "الحرث." قال: "الحرث." والأثر لا يصح، لأنه من طريق قابوس بن أبي ضبيان، وهو ضعيف. وعلى صحته فإنه يدل على أن تراب الحرث في التيمم أفضل من غيره، لا أنه محصور فيه، لا أنه محصور فيه، كما استنبط ذلك غير واحد من الأئمة ومنهم ابن عبد البر رحمهم الله تعالى جميعًا. طيب. فقوله الصعيد تراب الحرث هذا أثر ابن عباس إلى هاهنا، والزيادة في قوله: "والطيب الطاهر." هذه جاءت زيادة ليست من الأثر، جاءت زيادة. هذه زيادة ليست من تمام الأثر، ولكن ذكرها الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى في كتابه المغني، وتتابع العلماء على هذه الزيادة. وإنما هي تفسير للطيب من ابن قدامة، والله أعلى وأعلم. طيب.
قالوا: فإن لم يجد ترابًا، تيمم بما يقدر عليه من رمل أو حجر، لقوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم." قال الأوزاعي: "الرمل من الصعيد." بمعنى الإنسان إذا تيمم فيشرع له أن يتيمم بما تصاعد على الأرض، لقول الله جل وعلا: "صعيدًا، فتيمموا صعيدًا." فكل ما تصاعد على الأرض فإنه يجوز أن يتيمم به، سواء كان من تراب الحرث أو كان من الرمل، أو كان من غير ذلك. وقد جاءت الأدلة الكثيرة تدل على هذا المعنى. النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصيحين من حديث جابر، ومر معنا، قال: "وجعلت الأرض مسجدا وطهورا." والأرض لفظ عام يدخل فيه كل ما يسمى أرضًا، كل ما يسمى أرضًا. وهذا كما ذكر من ذكر من العلماء رحمهم الله تعالى، أنه خرج مخرج الامتنان وأسعى أن الله جل وعلا وسعى على هذه الأمة، فجعل الأرض كلها مسجدا وطهورا. فالإنسان له أن يصلي في أي مكان من الأرض إذا كان طاهرا، وكذلك له أن يتيمم بأي شيء من الأرض إذا كان طاهرا.
لذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ذات يوم يقضي حاجة، يتبول، فمر عليه رجل فسلم عليه. فجاء في الحديث أنه لما قضى، يعني لما بال واستجمر، ضرب على الحائط، ضرب على الحائط فتيمم ورد عليه السلام. ففيه هذا المعنى. وقد ثبت عن طائفة من السلف أن الرجل منهم ربما ضرب سرجه، يعني ضرب ما يكون على الراحلة، الركاب الراحلة، يضرب عليه ويتيمم فيه. يضرب عليه ويتيمم فيه. فالخلاصة من هذا أن كل ما تصاعد على الأرض فإنه يدخل في ذلك، والله أعلى وأعلم.
وهل يدخل فيه الثلج؟ خلاف بين أهل العلم، والأقرب أنه لا يدخل، الأقرب أنه لا يدخل لأنه لا يسمى أرضًا، ولا يسمى كذلك ترابًا. وإن كان بعض السلف رحمهم الله تعالى ذهبوا إلى أنه يتيمم به أخذًا بعموم هذه الآية: "صعيدًا طيبًا." طيب، هذا خلاصة ما يقال في هذه المسألة، والله أعلى وأعلم.
قالوا المسألة الثالثة: مبطلات التيمم. قالوا: وهي الأشياء التي تفسده، أي تفسد التيمم، أي نواقض التيمم. ما هي نواقض التيمم؟ قالوا: وهي الأشياء التي تفسده. قالوا: ومبطلاته ثلاثة. واحد: يبطل التيمم عن حدث أصغر بمبطلات الوضوء، وعن حدث أكبر بموجبات الغسل من جنابة وحيض ونفاس. فإذا تيمم عن حدث أصغر، ثم بال أو تغوط، بطل تيممه، لأن التيمم بدل عن الوضوء، والبدل له حكم المبدل. وكذا التيمم عن الحدث الأكبر. معنى هذا أن نواقض الوضوء هي نواقض التيمم، وهذا بإجماع، لا خلاف بين أهل العلم أن نواقض الوضوء هي نواقض التيمم. فكل ما مر معنا من نواقض الوضوء فهي نواقض كذلك للتيمم، لأنه بدل عن الوضوء، فيأخذ حكمه. ويزاد على نواقض الوضوء ما سيأتي معنا ثانيًا وثالثًا.
قالوا ثانيًا: وجود الماء. يعني كذلك من نواقض التيمم وجود الماء لمن كان فاقدًا للماء فتيمم. قال: وجود الماء إن كانت تيمم لعدمه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا وجدت الماء، فأمسه بشرتك." وقبل ذلك لقوله تعالى: "فإن لم تجد ماءً فتيمموا صعيدًا طيبًا." فإذا وجد الماء، يبطل التيمم لمن تيمم لفقدانه، أي لفقدان الماء.
قالوا ثالثًا: زوال العذر الذي من أجله شرع التيمم، من مرض ونحوه. يعني كما مر معنا أن من الأمور التي لأجلها يتيمم الإنسان، إما لمرض يخشى ذلك المرض واشتداده عليه، وإما أن يخشى من مرض لمن كان سليماً. فإن زال هذا الأمر، فإن زال هذا الأمر، يعني الإنسان ذهب مرضه، شفي. فيستخدم الماء، إما غسلًا، وإما وضوءًا. يعني إن كان يحتاج إلى الغسل، اغتسل. وإن كان يحتاج إلى الوضوء، توضأ. وكذلك في ماذا؟ وكذلك من ترك استخدام الماء لخشى الضرر، كما سمعتم. كان يكون في مكان بارد، شديد البرد، يعني ما عنده مثلًا ما يسخن فيه، ثم وجد ما يسخن أو ما يسخن به الماء. الآن اتفى العذر، فيجب عليه استخدام الماء. فيجب عليه استخدام الماء.
فهذه، كما ذكر، مبطلات التيمم. طيب، المسألة الرابعة: صفة التيمم. قالوا كيفيته: أن ينوي. تقدى معنا أن النية شرط في التيمم على قول أكثر العلماء، وهو الذي دل عليه الدليل. قالوا: أن ينوي، ثم يسمي. والتسمية في التيمم لا دليل عليها، بل الأحاديث الكثيرة المتكاثرة في التيمم، وفي تعليم النبي صلى الله عليه وسلم التيمم لأصحابه، ومنها حديث حديث عمار بن ياسر في الصيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إنما كان يكفيك..." بصيغة الحصر، أن تضرب بيديك على الأرض. ثم جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ على يديه، ثم مسح بهما وجهه ويديه. فأشاهد أن التسمية في التيمم لا دليل عليها، وهي عبادة، والأصل في العبادات التوقيف، والله أعلى وأعلم.
قالوا: أن ينوي، ثم يسمي، ويضرب الأرض بيده ضربة واحدة. وهذا هو الصحيح، أنه يضرب الأرض ضربة واحدة. والمسح يكون إنما مسحة واحدة، فلا يسل، بل لا يشرع التعبد بأن يتيمم بثلاث ضربات، وأن يمسح ثلاث مسحات، بل السنة أن يضرب ضربة واحدة، كما ذكرها هنا.
قالوا: ويضرب الأرض بيده ضربة واحدة، ثم ينفضهما، ثم ينفخهما، أو ينفضهما، ثم يمسح بهما وجهه ويديه إلى الرسغين. والرسغين هو العظم الذي بين الساعد وبين الكف. وليس حكم التيمم في اليدين كحكم الوضوء، يظن أنه يمسح إلى ماذا؟ إلى أعلى، إلى العضوة. ولكن يمسح كفيه، يمسح بهما وجهه وكفيه فقط، يمسح بهما يديه وكفيه فقط، لحديث عمار. وفيه التيمم ضربة واحدة، التيمم ضربة للوجه والكفين.
وحديث عمار، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا." فضرب بكفي ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفيه، ثم مسح بهما وجهه، ثم مسح بهما وجهه.
والمسح، يعني مسألة التيمم، كيفية التيمم، كما ذكر في حديث عمار في الصيحين، أن يضرب بيديه على الأرض، ثم ينفخ بهما. وإن كان هناك كما قال بعض أهل العلم صعد فيها، وكان فيها تراب كثير، لو أن ينفض التراب ثم يمسح على وجهه، ثم على كفيه. هذه الصورة هي الأكمل والأحسن. فإن بدأ بالكفين ثم مسح وجهه بذلك، فهذا كذلك مشروع، والله أعلى وأعلم، لأن مسألة الترتيب في التيمم الصحيح أنه ليس بواجب، بمعنى: أنه إذا بدأ بيديه قبل وجهه، صح. وإن بدأ بالوجه قبل اليدين، صح. والله تعالى أعلى وأعلم.
سبحانك اللهم وبحمدك. لا إله إلا أنت. أستغفرك وأتوب إليك. اشتركوا في القناة.