كتاب الطهارة 11

الدرس في كتاب الطهارة 11، ألقاها

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ثم أما بعد، كنا في آخر ما كنا فيه في هذا كتاب "الفقه الميسر" في الباب الرابع من كتاب الطهارة وهو في السواك وسنن الفطرة.

وتقدى معنا المسألة الأولى مرت معنا في الدرس الماضي المسألة الأولى، وهي حكم السواك، وتقدى معنا أن حكم السواك مستحب، وهذا كما مرّ، تدل عليه الأدلة، وهذا قول الجمهور. ذكر بعضهم خلافاً عن إسحاق وعن داود الظاهري، ولكن بعضهم يقول في صحة هذا القول إليهم نظر، أي في نسبة ذلك القول إليهم نظر. فالحاصل أن السواك مستحب مطلقاً في وقت الصلاة، أي عند الصلاة، قبل الشروع فيها وفي بقية المواطن.

المسألة الثانية، قالوا: متى يتأكد، أي متى يتأكد استحباب السواك؟ قالوا: يتأكد عند الوضوء، وعند الانتباه من النوم، وعند تغير رائحة الفم، وعند قراءة القرآن، وعند الصلاة، وكذا عند دخول المسجد والمنزل. لحديث المقدام بن شريح عن أبيه، قال: سألت عائشة قلت: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك. والحديث كما ذكر أخرجه مسلم.

قالوا: ويتأكد كذلك عند طول السكوت وصفرة الأسنان للأحاديث السابقة. السواك مطهرة للفم مرضات للرب. قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك، ومعنى "يشوص" كما ذكر في الحاشية أي الدلك، أي يدلك فمه بالسواك. قالوا: والمسلم مأمور عند العبادة والتقرب إلى الله أن يكون على أحسن حال من النظافة والطهارة. 

فكما ذكر، أن استخدام واستعمال السواك وتنظيف الأسنان في كل وقت، ومطلقاً مستحب، ويتأكد ذلك الاستحباب في مواطن ذكرى، منها ما سمعتموه، ومدارها كما ذكر على تغير رائحة الفم. فمتى تغيرت رائحة الفم استحب استخدام السواك وتعاطيه، سواء كانت الرائحة كريهة أو أن تصفر الأسنان أو ما شابه ذلك. فيستحب حينها أن يستاك الإنسان، وكذلك إذا أراد الإنسان الشروع في عبادة من العبادات كالطهارة، يعني الوضوء، أو أراد الصلاة، أو أراد قراءة القرآن، كذلك يستحب له ذلك، لما في هذا المعنى من معاني التهيؤ للشروع في العبادة وهو على أكمل وجه وأحسن منظر وأجمل صورة.

قالوا المسألة الثالثة: بكم يكون السواك أو بما يكون، بمعنى بماذا يكون السواك؟ قالوا: يسن أن يكون التسوك بعود رطب لا يتفتت ولا يجرح الفم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستاك بعود أراك، وهذا كما سمعتم هو الأفضل، أن يستاك بعود أراك، وهو الغالب الذي كان يستخدمه النبي صلى الله عليه وسلم. كما جاءت في ذلك أحاديث، كما في صحيحين من حديث عائشة في قصة احتضار النبي صلى الله عليه وسلم، دخول عبد الرحمن أخيها، وفي يد عبد الرحمن سواك رطب، فاستاك به النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند أبي داود وغيره، وأيضا بإسناد حسن، أنه قال: صعدت على شجرة أراك فقطعت للنبي صلى الله عليه وسلم منها سواك. والأحاديث في ذلك كثيرة، لذا قال غير واحد من العلماء إنه يستحب أن يستاك بعود أراك، وإن كان بغيره كذلك يدخل في المعنى، وسيأتي بإذن الله جل وعلا.

فالحاصل أنه كما ذكر، يستحب أن يكون بعود الرطب لا يتفتت ولا كذلك يؤذي الفم ولا يجرحه. قالوا: وله أن يتسوك بيده، أي بأصبعه، يدخل أصبعه ويمسح أماكن الصفرة أو أماكن الاتساخ أو ما شابه ذلك. قالوا: وله أن يتسوك بيده اليمنى أو اليسرى، فالأمر في هذا واسع، أي سواء كان في اليمنى أو اليسرى. قالوا: فالأمر في ذلك واسع، وكما مر معنا، إشارة إلى أن اليسرى تستخدم للتنظيف، فيكون في هذا الأفضل استخدام اليسرى، أي سواء كان باستخدام عود الأراك أو باستخدام الأصبع مباشرة، لأن ما كان بابه التنظيف تستخدم فيه اليد اليسرى، واليمنى تكون لما شرفى وكمولى طيب.

قالوا: المسألة الرابعة: فإن لم يكن عنده عود يستاك به حال الوضوء، أجزأه التسوك بأصبعه، يعني يمسح بأصبعه، يدخل أصبعه ويمسح أسنانه. هذا يقال فيه بأنه تسوك بأصبعه. قالوا: كما روى ذلك علي بن أبي طالب في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. ذكروا هاهنا أن الحديث أخرجه أحمد في المسند وصححه ابن حجر في التلخيص الحبير، والصحيح في الحديث أنه ليس بصحيح، بذكر الاستياك بالأصبع. ليس بصحيح بل ضعيف، وضعيف جداً لأنه من طريق مختار بن نافع التميمي، وهو منكر الحديث. فإذا الحديث لا يصح من هذه الطريق، والحافظ بن حجر رحمه الله تعالى لم يصحح الحديث نصاً، ولكن قال ذكر حديثاً ضعيفاً جداً، وقال: "وأصح من ذلك ما رواه الإمام أحمد عن علي"، وذكر الحديث.

وقول العلماء "أصح" لا يقتضي الصحة، بل معناه عند العلماء الصحة النسبية، أي أصح من غيره، ولا يقتضي الصحة المطلقة. فالحاصل أن حديث علي رضي الله عنه هذا المذكور لا يصح، وإن كان معناه صحيحاً، بمعنى أن الإنسان إذا استاك بأصبعه، يقال بأنه استاك. وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله تعالى، كما في شرح مسلم، قال: "ويستحب أن يستاك بعود من أراك، فهذا أفضل، وأي شيء استخدم مما يزيل التغير فهو حاصل للسواك". ومن هنا نعلم أن ما يستخدمه كثير من الناس اليوم من الفرشاة والمعجون يسمى كذلك أنه سواك.

وقال: "بأي شيء استاك مما يزيل التغير، فهو حاصل للسواك"، أي يمكن استخدام الخرقة الخشنة أو المعجون، فهو سواك، لأنه يستخدم لأجل إزالة التغير، وهذا ضابط ذكره الإمام النووي رحمه الله. السواك ليس مقصوراً على عود الأراك، بل كل ما نظف الفم بعود الأراك أو غيره، بخرقة أو بأصبع أو بفرشاة ومعجون أو ما شابه ذلك، يسمى سواك. قال: "وبأي شيء استاك مما يزيل التغير، فهو سواك".

قالوا: المسألة الخامسة: سنن الفطرة. وتسمى أيضا خصال الفطرة. قالوا ذلك لأن فاعلها يتصف بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، واستحبها لهم ليكونوا على أحسن هيئة وأكمل صورة. وقد ذكر العلماء رحمهم الله أقوالاً كثيرة في ضابط الفطرة، وأحسنها أنها الإسلام، فإذا يكون خصال الفطرة أي خصال الإسلام.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس من الفطرة: الاستحداد، والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار." والحديث متفق عليه.

قالوا: الاستحداد، وهو حلق العانة، وهي الشعر النابت حول الفرج. سمي بذلك لاستعمال الحديدة فيه، أي الموسى. وفي إزالته جمال ونظافة. ويمكن إزالته بغير الحلق كالمزيلات المصنعة. الاستحداد يعني إزالة الشعر الذي حول الفرج، والأفضل أن يكون بالحلق، لأن الحديث ذكر الاستحداد. وفي بعض الروايات جاء "حلق العانة"، وهذا هو الأفضل. إن أزال الشعر بغير الحلق كما ذكر بالمزيلات المصنعة، فهذا أيضا ممتثل للأمر.

الختان، وهو إزالة الجلد التي تغطي الحشفة حتى تبرز الحشفة، وهذا في حق الذكر، أي إزالة الجلد التي تغطي الحشفة، الحشفة هي رأس الذكر بالنسبة للرجل. أما الأنثى، فكما قيل، قطع لحمة زائدة فوق محل الإيلاج. قيل إنها تشبه عرف الديك بالنسبة للمرأة. هذا المعنى من الختان عند الأنثى. 

والصحيح أنه واجب في حق الرجال وسنة في حق النساء. القول الصحيح يشير إلى الخلاف في المسألة، فمنهم من قال إنه واجب في حق الرجال والنساء، ومنهم من قال إنه واجب في حق الرجال ومستحب في حق النساء. الأعدل أنه واجب في حق الرجال وسنة في حق النساء. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "هذا قول أكثر أهل العلم".

قالوا: والحكمة في ختان الرجل تطهير الذكر من النجاسة المحتقنة في القلفة، ومعنى القلفة كما جاء في الحاشية، وهي الجلدة التي تغطي الحشفة والتي تقطع في الختان. وفوائد كثيرة للختان، منها أنه يقلل من غلمة الأنثى، أي شدة شهوتها. فهذا يدل

 على فوائد عظيمة للختان.

متى يشرع الختان؟ فمنهم من قال إنه لا مدة محددة، وهذا قول الجمهور. وهناك قول آخر أنه يستحب أن يكون في اليوم السابع للمولود، لأنه أسرع للبرء ولينشأ الصغير على أكمل حال. وقال الإمام ابن المنذر: "لم يأتي دليل يدل على توقيت محدد"، ومعنى ذلك أن في أي وقت تيسر كان أفضل.

الإمام ابن القيم ذكر أن العرب كان من عادتهم أن يختتنوا الغلام إذا قارب على البلوغ وقارب من سن التكليف، حيث يجب أن يكون قبل زمن البلوغ، وزمن وجوب الصلاة، لأن في هذا الوقت، إذا لم يكن اختتن، فلن يكون عرضة لدخول الصلاة وفيه شيء من النجاسة. واستدلوا بما جاء في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل متى مات النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: "مات وقد اختتنت"، وهذا يدل على أنه كان من عادة العرب.

الحاصل أن كلما كان الاختتان في سن مبكرة كان أفضل. هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وطائفة من أهل العلم.

ختامًا، سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

  • 12 جمادى الآخرة 1433هـ - 03/05/2012مـ
  • 6.17MB
  • 26:57

شاركنا على