الدرس في كتاب الطهارة 1، ألقاها
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم أما بعد:
فنبتدئ بإذن الله جل وعلا من هذه الليلة في القراءة في كتاب "الفقه الموسر في ضوء الكتاب والسنة"، وهذا الكتاب، كما هو واضح على طرته، من إعداد نخبة من العلماء، وتحت إشراف معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المشرف العام على المجمع، أي مجمع الملك فهد. والكتاب، كما هو واضح، جمع مسائل كثيرة من مسائل الفقه، ووقع الاختيار على هذا الكتاب بعد استشارة واستخارة، حيث استشرنا إخواننا وكذلك استخرنا ربنا جل وعلا في اختيار هذا الكتاب، لأن الأمر كان متردداً بين هذا الكتاب ومنهاج السالكين وكذلك عيون البصائر للسعداء. فالحاصل أنه وقع الاختيار على هذا الكتاب، وهذا لأمور:
الأمر الأول: أن الكتاب، كما هو واضح، امتاز أولاً بالجمع، وثانياً بحسن الترتيب، وثالثاً بذكر المسألة وتعريفها، وكذلك إن كان هناك أركان، ذكرت الأركان، وإن كان هناك شروط، ذكرت الشروط، وإن كان هناك واجبات، ذكرت الواجبات، وإن كان هناك مستحبات، ذكرت المستحبات. وذكر المستحبات، إن كان هناك مكروهات، ذكرت المكروهات. وهذا، في الحقيقة، عمل عظيم وجليل، لأن فيه تقريب للعلم، وهذا من الهدف أو من الأسباب التي أُلِّف لأجلها هذا الكتاب، كما نُبِّه عليه في المقدمة.
وأيضًا من الأمور التي امتاز بها هذا الكتاب، كما هو واضح، أن أسلوبه كُتِب بالأسلوب العصري، فناسب أهل العصر، حيث يذكر الباب، يذكر الكتاب، ثم يذكر تحته الأبواب، ويذكر ما تعلق بذلك الباب من مسائل مُوضَّحة، وكذلك يستدلُّ لها بالأدلة من كتاب الله جل وعلا أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وإن كان هناك إجماع، ذكر، وإن كان هناك قياس واضح، كذلك ذكر. وهذه مميزات، كما هو واضح، تجعل هذا الكتاب ذا أهمية. فنسأل الله جل وعلا أن يعيننا جميعًا على التفقه في دين الله جل وعلا، وأن يجعل هذه الأعمال من الأعمال النافعة لنا في ديننا ودنيانا، وفي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. فنسأل الله جل وعلا أن يوفقنا لما يحب ويرضى.
فنبدأ، أول ما نبدأ به، نقرأ منهج العمل في الكتاب قبل الشروع في الكتاب، حتى نتصور ما هو المنهج المتبع في هذا الكتاب، أي قبل التمهيد. ذكر منهج العمل في الكتاب، قالوا: "يتلخص منهج العمل في هذا الكتاب فيما يلي:
أولًا: تقسيم الموضوعات إلى كتب رئيسية، وكل كتاب ينقسم إلى أبواب، وكل باب تحته مسائل، وذلك تقريبًا وتسهيلاً على المطالع فيه. وهذا، كما سمعتم، من فوائد هذا الكتاب.
ثانيًا: الاقتصار على المسائل المهمة التي تدعو إليها الحاجة في كل باب، وعدم ذكر التفريعات والمسائل التي تقل الحاجة إليها. وهذا كذلك من الأهمية بمكان.
قال ثالثًا: الاقتصار واختيار ألفاظ والعبارات السهلة الواضحة قدر الإمكان.
رابعًا: الاقتصار على الأدلة المعتمدة في كل مسألة، أي أنهم لا يتفرعون في ذكر كذلك الأدلة التي وقع فيها النزاع، إما باعتبار التصحيح والتضعيف، وإما باعتبار الدلالة.
خامسًا: الاقتصار على القول الراجح الذي يدعمه الدليل في المسائل المختلف فيها، دون اللجوء إلى ذكر الآراء والأقوال والخلاف في المسألة. وهذا، كما ذكروا، تسهيلاً ولأجل أن لا يتشتت الطالب.
سادسًا: عزو الآيات القرآنية وتوثيقها، وذلك بذكر اسم السورة ورقم الآية بجوار كل آية وردت في الكتاب.
سابعًا: تخريج الأحاديث النبوية بعزوها إلى مصادر السنة المعتمدة. فإن كان الحديث في صحيحين أو أحدهما، اكتفينا بذلك، وإن لم يكن في واحد منهما، خرجناه من دواوين السنة المشهورة، مقدمين السنن الأربع على غيرها، مع الحكم على غير الحديث الصحيحين وبيان درجته، وذلك من كلام أئمة الشأن في ذلك، سواء المتقدمين منهم أو المعاصرين.
ثامنًا: شرح الكلمات والمصطلحات الغريبة التي تحتاج إلى بيان وإيضاح، والتي ترد أثناء التفصيل والشرح، وذلك في الحاشية. أما مصطلحات البحث الرئيسية، فتشرح في صلب الكتاب في بداية كل باب ومسألة. وهذا كذلك يبين لنا أهمية هذا الكتاب.
قال تاسعًا: الاستفادة من بعض الكتب المعاصرة في الفقه، وأهمها "الشرح الممتع" لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، و"الملخص الفقهي" لفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله، وذلك بالإضافة إلى المصادر الأمهات في المذاهب الأربعة وغيرها.
عاشرًا: التنبيه على بعض الأمور التي يقع فيها كثير من الناس مما يخالف الكتاب والسنة الصحيحة، وبيان الصواب والحق في ذلك، وذلك في المواطن التي رأينا أن الحاجة تدعو فيها إلى ذلك.
حادي عشر: قالوا: "وضعنا فهرسة تفصيلية لموضوعات الكتاب ومسائله في نهاية الكتاب، وذلك تسهيلاً على المراجع والمطالع فيه".
قالوا: "التمهيد"، والتمهيد هو من "المهد"، ومعناه تمهيد الموضوع بما يتعلق به، كالمقدمة له، تمهيد للشروع في الموضوع. قالوا: "ويشتمل على النقاط التالية:
الأول: تعريف الفقه لغة واصطلاحًا.
ثانيًا: مصادره.
ثالثًا: موضوعه.
رابعًا: ثمرته.
خامسًا: فضله".
قالوا: "معنى الفقه لغة واصطلاحًا". الفقه في اللغة: الفهم. ومنه قوله تعالى عن قوم شعيب: "ما نفقه كثيرًا مما تقول"، أي ما نفهم كثيرًا مما تقول. وقوله: "ولكن لا تفقهون تسبيحهم"، أي لا تفهمون تسبيحهم، هذا باعتبار اللغة. وبعض أهل العلم يبين أو يذكر أن هناك فرقًا بين الفقه في اللغة وبين الفهم، فيجعلون الفقه فهمًا مخصوصًا. لذا، في هذه الآية، "ما نفقه كثيرًا مما تقول"، هل معنى ذلك أنهم لا يفهمون مراده أم أنه فهم خاص لا يفهمونه؟ بمعنى أنهم لم يفهموا الفقه، أو الفهم المخصوص الذي به يحصل كذلك الفائدة. وحاصل هذا أن بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى، كالعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى، يفرق بين الفهم والفقه، فيقول بأن الفهم هو فهم كلام المتكلم على مقتضى اللغة، هذا يقال عنه فهم. وأما الفقه فإنه فهم مراد المتكلم، أو فهم كلام المتكلم على مراد المتكلم، فهو أدق. قال: "وكلما كان الإنسان أدق في هذا الأمر، وأكثر معرفة بمراد المتكلم، كلما ارتفع وعلا في الفقه". ومن هنا نعلم كذلك الفضيلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"، لأن معناها إن كان الفهم العام سيشترك فيه العالم وغيره، ولكن مراد بالفقه هنا الفقه الخاص.
قال رحمه الله تعالى: "والفقه في الاستلاح، أي في اصطلاح الفقهاء"، وقوله: "العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية"، قال: "وقد يطلق الفقه على الأحكام نفسها"، قوله: "والفقه في الاستلاح"، أي في اصطلاح الفقهاء، قوله: "العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية". قوله: "العلم"، بعض أهل العلم يعبر بـ"المعرفة". وهم هنا عرفوا ماذا؟ الفقه بالعلم. فقولهم أن الفقه هو العلم يفهم منهم أن مبنى الكلام وهذا الباب هو على العلم، والعلم درجات. العلم درجات، وكذلك المعلوم باعتبار دلالته درجات. فمن المعلوم ما علمه قطعًا، كمثلًا: وجوب الصلوات الخمس، وأن صلاة الفجر ركعتان، الظهر أربع ركعات، العصر أربع ركعات، وهكذا. والزكاة بأنها واجبة، وهكذا صيام شهر رمضان بأنه واجب، إلى غير ذلك. فهذه أمور ماذا؟ قطعية، والعلم بها يكون كذلك ماذا؟ قطعياً. وبعض المسائل من مسائل الفقه يكون الدليل فيها فيه خفاء. وما كان فيه خفاء فهو يحتاج إلى جهد في استخراج الحكم من تلك الأدلة، واستنباطها من تلك الأدلة لأجل أن يحكم على تلك المسألة بحكم يليق بها. وهذا كذلك نوع من العلم. وإن كان في بعض المسائل قد يكون مبناه على غلبة الظن، ولكن كما قيل إن غلبة الظن من العلم، غلبة الظن علم. لأن العلم يتفاوت، فمن العلم ما يكون بغلبة الظن، ومن العلم ما يكون علماً يقينياً، بل قد يرتقي العلم حتى يكون ماذا؟ حق اليقين وعين اليقين. فالحاصل أن العلم ماذا؟ درجات. والمسائل ليس كلها ينظر إليها في باب الفقه بمنظار واحد، بل من المسائل ما يشترك في معرفتها والعلم بحكمها العالم والجاهل، كمثلًا: وجوب الصلوات، وجوب الصيام، إلى غير ذلك من الأمور التي يعبر عنها العلماء بالأمور المعلومة بالدين بالضرورة. هذه يشترك فيها من؟ العالم والعام. وهناك مسائل يختص بمعرفتها أهل العلم دون غيرهم، أي أن أهل العلم هم الذين يستنبطون الأحكام من أدلة الشرع، من أدلة الكتاب والسنة، وإن كان هناك إجماع أخذوا به، وإن كان هناك قياس جلي أخذوا كذلك به.
فإذن قولهم العلم كما سمعنا على درجات، لأن المعلوم كذلك على ماذا؟ على درجات، وذلك بسبب الأدلة، بسبب ظهور الأدلة أو خفائها. وقولهم "العلم بالأحكام الشرعية العملية"، خرج منها العقلية. فمثلًا: "الكل أكبر من الجزء"، هذا عقلي لا يدخل في الفقه. الفقه مداره على ماذا؟ على الأحكام الشرعية. لذا قالوا: "الأحكام الشرعية"، وزادوا ماذا؟ "العملية". قال العلماء رحمهم الله تعالى، فخرج من هذا المسائل الاعتقادية، لأن المسائل العقلية مبناها على الاعتقاد والتسليم. وإن كان بعض أهل العلم يقول إن المسائل العملية أو المسائل العقلية، وإن لم يكن الإنسان عاملاً بها بجوارحه، إلا أنه عامل بها باعتبار عمل القلب. فهي عملية باعتبار عمل القلب، وإن لم تكن عملية باعتبار عمل الجوارح. وبعضهم أجاب بأن المقصود عمل الجوارح، والذي كذلك يكون مصحوباً بعمل القلب. قولهم: "الأحكام الشرعية العملية"، أي التي تكون بماذا؟ بالجوارح، بعمل الجوارح. وقولهم: "المكتسبة من أدلتها التفصيلية"، "المكتسبة" أي المستنبطة أو المأخوذة. وهذا الأخذ إما أن يكون، كما سمعنا، بدليل واضح جلي قطعي لا مدافعة فيه، وإما أن يكون من دليل خفي عن طريق الاستنباط، لأن الأحكام الشرعية، كما سمعتم، منها ما هي قطعية، لأنها، كما يقال، من الأمور المعلومة بالدين ضرورة. هذا واضح، دلالة الكتاب والسنة عليها واضحة. ومنها ما يكون دلالته خفية. فبعض أهل العلم يستنبط الحكم من دلالات الكتاب ودلالات السنة. وعلى قدر العلم ورسوخه في ذلك العالم، يقوى استنباطه واستخراجه للأحكام الشرعية الموافقة بإذن الله جل وعلا. قوله: "من أدلتها التفصيلية"، المقصود من الأدلة، لأنه ذكر أن الأدلة أربعة أقسام، كما سيأتي.
قالوا: "وقد يطلق الفقه على الأحكام نفسها، بمعنى أن الفقه يطلق على الأحكام الفقهية نفسها بأنها ماذا؟ بأنها الفقه".
قالوا: "مصادر الفقه الأساسية". مصادر الفقه الأساسية هي:
1. القرآن الكريم، وهو أصل الأصول، وهو أصل الأصول الذي يعتمد عليه في أخذ الأحكام الشرعية، أي من كتاب الله جل وعلا.
2. السنة المطهرة، أي ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
3. الإجماع.
4. القياس. الكتاب، والسنة، والإجماع، وهذه الأدلة، كما ذكر من ذكر من أهل العلم، هي مجمع عليها، أي أدلة الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما القياس، فهو الرابع، وقد وقع فيه النزاع. بعض أهل العلم نقل الإجماع على أن القياس، إن كان صحيحاً معتبراً، فإنه أحد الأدلة. ومنهم من ذكر خلافاً. وتعرفون المسألة من حيثه، وهي محل جدل في كتب أصول الفقه، حيث الظاهرية لا يرون القياس مطلقاً، وإن كانوا يعملون به من حيث لا يشعرون. فالحاصل، والذي عليه المحققون من أهل العلم، أن القياس منه ما هو قياس صحيح، ومنه ما هو قياس فاسد. بمعنى أن القياس ليس بحجة مطلقاً، وليس بمردود مطلقاً، بل منه ومنه. فما كان من قياس صحيح كالقياس الذي يسمونه "قياس الأولى" أو "القياس الذي تماثل فيه الفرع مع الأصل في العلة دون وجود فارق بين الفرع والأصل"، فإن هذا كذلك يكون من القياس الصحيح، من القياس الصحيح المعتبر. ولا يستطيع فقيه أن يستغني عن القياس. وإن نازع، لابد أن يعمل بالقياس، شاء أم أبى. لذا نجد الظاهرية، وهم ممن يشنعون على من يقول بالقياس، يقعون في العمل بالقياس، ولكن يقولون هذا أخذ بعموم النص، لا يسمونه قياسًا. الجمهور يسمونه قياسًا، أما الظاهرية فيقولون أخذ بعموم النص. فهم، كما ذكر من ذكر من أهل العلم والواقع، يقعون في القياس، شعروا أو لم يشعروا. إذن القياس، كما سمعنا، منه الصحيح، فالاستدلال به في محله يكون صحيحاً، ومنه الفاسد، وما كان فاسد فهو فاسد فلا ينظر إليه ولا يستدل به.
نكتفي بهذا، قد انتهى الوقت. إلى هنا، سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.